tirsdag 24. mars 2015

إفلاس النظام السعودي الأخلاقي


ملأت التنديدات والاستنكارات في الأسبوع المنصرم ضد تصريحات وزيرة الخارجية السويدية، مارغو فالستروم، صفحات الجرائد السعودية، خاصة الطبعة السعودية من الشرق الأوسط و التي تخاطب الداخل.
 
و شغل رد الفعل الرسمي موقع قضية العدد الرئيسية باحتلاله الصفحة الأولى في 17 آذار و متابعة القضية يومياً على مدى الأسبوع. هذه القراءة قد تثير الإحباط عند بعض القراء العرب المتنورين، مؤمنون كانوا أو غير مؤمنين، او الغضب عند البعض الآخر.
 
دعوني أولاً ألخص رد فعل النظام السعودي. في بيان شديد اللهجة صدر عن مجلس الوزراء و على رأسه الملك سلمان بن عبد العزيز يهدد نظام الرياض بمراجعة علاقاته مع السويد مؤكداً رفضه للتدخل في شؤون الدولة الداخلية و مندّداً بما وصفه "بالإساءات" من قبل وزيرة الخارجية السويدية. هذه "الإسائات" كانت نقداً إنسانياً لممارسة عقوبات لا تنسجم مع حقوق الإنسان و الأعراف الدولية بحق فرد تهمته الوحيدة كانت التعبير الحر عن رأيه في موقع الكتروني مسجّل باسمه.
 
ما يلفت اهتمامي بشكل خاص عندما اقرأهذا التصريح هو أن الحجة الأساسية مبنية على سيادة الدولة و رفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية. هذا المبدأ يستمد شرعيته من اتفاق الأمم المتحدة و هو عزيز و ثمين على الحكام في الديكتاتوريات بشكل خاص. السؤال الذي يطرح نفسه هو إن كان النظام السعودي يرى المبدأ مستحقاً للاحترام بدون استثناءات و بغض النظر عن طبيعة الحكم السياسي، إن كانت الشرعية السياسية مستمدة من إرادة الشعب أو لا. ما هو رأي المجلس الكريم في حالات مشابهة كبناء المستوطنات الاسرائيلية على أرض محتلة ضد قرارات و مبادئ الأمم المتحدة؟ و ماذا عن اعتداءات النظام الصربي على الأقلية الألبانية المسلمة؟ هل يعني مجلس الوزراء السعودي أنه كان من حق ميلوسوفيش أن يطالب كل دولة تأتي بالنقد بالتوقف عن "الإساءة" للدولة الصربية و التدخل في شؤونها الداخلية و يستمر في خرق حقوق الإنسان؟ نعم، هناك اختلاف لاجدل فيه بالنسبة لحجم و نوعية الأفعال الناقضة لحقوق الإنسان، و لكنه ليس اختلافاً مبدئياً.

 كل يوم تخرق حقوق الانسان في السعودية دون أن يؤدي ذلك إلى نقد يذكر من جهات سياسية دولية. السبب الوحيد للصمت هو عضلات السعودية البترولية، الذهب الأسود الذي يستبدل بالدولار و يشترى به نفوذ إقليمي. هذا ما يضع لاصقاً على فم الجميع. من يفتح فمه و ينطق بما يخالف آراء العائلة الحاكمة و يضر بمصلحة السلطة السعودية (لا البلاد و الشعب) يعاقب بالجلد بالسوط إن كان مواطناً سعودياً أو بالجلد الدبلوماسي إن كان ممثلاً لحكومة دولة أخرى. فإذا كانت هذه هي الوصفة، لغة القوة، القمع في الداخل و الخارج لا المناقشة و الدبلوماسية المتحضرة، لماذا يتأرجح البيان بين واقعين لايلتقيان، المعايير المعاصرة للمساواة و القراءات الدينية المبنية على نظام أبي ذكوري؟   

   

في نص البيان يصرّ صوت السلطة على أن قضاء المملكة المستقل والقائم على الشريعة الإسلامية "كفل العدالة التامة للجميع و أن الكل متساو ... كما أن حرية التعبير مكفولة للجميع في إطار الشريعة الإسلامية". وفي مجال حقوق المرأة يشدّد مجلس الوزراء على أن الشريعة الإسلامية "تكفل المساواة العادلة بين الجنسين و لا تفرق الأنظمة بين الرجل و المرأة". عذراً أيها السادة الوزراء! هل جلست امرأة واحدة حول طاولتكم في تاريخ المملكة؟  وضع المرأة السعودية معروف فلا داعي للأمثلة و تطويل الكلام.     

الحقيقة هي أن القضاء في السعودية هو موروث تاريخي ينتمي إلى زمن مضى. العلاقة بين السلطة السياسية متمثلة بآل سعود و السلطة الدينية المبنية على مذهب محمد بن عبد الوهاب المتزمت تعود إلى التحالف بينهما في القرن الثامن عشر و الذي تاسست المملكة السعودية بناءً عليه. السيف وحّد العشائر في شبه الجزيرة العربية و العلماء منحوا حاملي السيف الشرعية الدينية.
 على الرغم من الواجهة البرّاقة و آثار المعاصرة السطحية التي يراها الزائراليوم في الأبنية الضخمة و شبكة الطرق الحديثة و الآلات الإلكترونية، و دعونا لا ننس ما لا نراه و إنما نسمع عنه؛ أحدث الأسلحة المتطورة المستوردة من الدول الصناعية, فعجباً لماذا لا تطول الحداثة و حب الاستيراد تحالف السيف مع تفسيرات عبد الوهاب المتحجرة؟

عندما يضع النظام السعودي القضاء الاعتباطي و المتقادم الذي يمارس في المملكة فوق النقض بحجة أنه مبني على الشريعة فهذا لا يقنع المسلمين في دول العالم، إسلامية أو غير إسلامية. عندما يلوح المجلس  "أن مبادئ الإسلام الذي يدين به نحو ألف و خمسمائة مسلم في العالم هي مبادئ غير قابلة للمساومة" يتجاهلون الواقع الملموس و هو أن غالبية مسلمي العالم يتبعون تفسيرات تختلف تماماً عن المذهب الوهابي و يخضعون لقضاء فيه قوانين مدوّنة و متفق عليها، و حيث لا تمارس عقوبات الجلد، الرجم، قطع الأيادي و بتر الرأس.  

قراءة ما تبقى من البيان تعزّز انطباعي بأن النظام السعودي يحاول التوازن بين عالمين لا يلتقيان، العالم الحر المعاصر المبني على الديمقراطية و حقوق الإنسان من جهة، والعالم القديم بمفاهيمه في الحكم و الدين.
 يختتم البيان بالتالي: "الإساءة إلى النظم القضائية و الأنماط الثقافية و الاجتماعية لمجرد اختلافها مع النمط السائد في دول أخرى أمر يتعارض مع الأسس و المبادئ التي يقوم عليها المجتمع الدولي التي تنادي بضرورة احترام الأديان و التنوع الثقافي و الاجتماعي للشعوب".

 إلى متى سيلجأ النظام السعودي إلى هذه التركيبة الحقوقية الغريبة، الازدواجية الأخلاقية و الانتقائية التي تتضارب مع التفكير المبدئي و المنطقي؟ إلى متى سيتمكن من كبح النقد من الداخل و الخارج؟ ربما إلى أن يدرك أن الاقتصاد العالمي في طريقه نحو استعمال طاقة نظيفة حافظة للبيئة و متجددة. إلى أن يفقد الذهب الأسود قيمته في بورصات المال. هل للسعودية حينها، في مستقبل ليس ببعيد، اسهماً في بورصة الأخلاق الإنسانية و الدبلوماسية الدولية؟